الحمد لله الذي جعل الصلاة راحة للمؤمنين وأمانا للخائفين ونورا للمستوحشين
فان قيام الليل هو دأب الصالحين وتجارة المؤمنين وعمل الفائزين ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم ويتوجهون الي خالقهم وبارئهم فيشكون اليه أحوالهم ويسألونه من فضله تتنسم من تلك النفحات وتقتنبس من أنوار تلك القربات وترغب وتتضرع الي عظيم العطايا والهبات.شرف المؤمن في قيام الليل
انه المؤمن الذي يسعي أن يكون مع نفسه أفضل ومن ربه أقرب ها هو نداء الرسول صلي الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر
"نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل " البخاري.
قال تعالي:"تتجافي جنوبهم عن المضاجع" السجدة16.
وقال ابن كثير في تفسيره: يعني بذللك قيام الليل وترك النوم والاضطجاع علي الفرش الوطيئة.
أين أنت من الشرفاء
وقد ذكر الله عز وجل المتهجدين في قيام الليل فقال عنهم: "كانو قليلا من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون" الذريات:17.18
وقال تعالي: "أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الأخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر أولوا الألباب" الزمر9
أي: هل يستوي من هذه صفته مع من نام ليله وضيع نفسه غير عالم بوعد ربه ولا بوعيده؟!
انه المؤمن الذي يسعي أن يكون مع نفسه أفضل ومن ربه أقرب ها هو نداء الرسول صلي الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر
"نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل " البخاري
الي هذا الحد مدح القرآن من يقوم الليل
الي هذه الدرجة رفعت السنة قدر النتهجدين
انظر الي قيام النبي صلي الله عليه وسلم
أمر الله تعالي نبيه بقيام الليل في قوله تعالي: "يا أيها المزمل * قم الليل الا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا " المزمل1-4
وقال سبحانه: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسي أن يبعثك ربك مقاما محمودا" الاسراء79
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلي الله عليه وسلم يقوم من الليل حتي تتفطر قدماه فقلت له:لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا " متفق عليه
فقد قام النبي بحق العبودية لله علي وجهها الأكمل وصورتها الأتم مع ما كان عليه من نشر العقيدة الاسلامية وتعليم المسلمين والجهاد في سبيل الله
وعن ابن مسعود قال: "صليت مع النبي ليلة فلم يزل قائما حتي هممت بأمر سوء قيل: ما هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه! " متفق عليه.
قيام الليل في حياة السلف
قال الحسن البصري: (لم أجد شيئا من العبادة أشد من الصلاة في جوف الليل ).
وقال أبو عثمان النهدي: (تضيفت أبا هريرة سبعا فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثا يصلي هذا ثم يوقظ هذا).
وكان شداد بن أوس اذا أوى الي فراشه كأنه حبة علي مقلي ثم يقول: اللهم ان جهنم لا تدعني أنام فيقوم الي مصلاه.
كنوز الثلث الأخير
انه الملك العظيم سبحانه ينزل كل ليلة الي السماء الدنيا ينادي عباده وخلقه يريد لهم الهداية والتوبة واجابة حاجاتهم "ان الله يمهل حتي اذا ذهب ثلث الليل الأول نزل ربنا تبارك وتعالي الي السماء الدنيا يقول جل وعلا هل من مستغفر هل من تائب هل من سائل هل من داع حتي ينفجر الصبح " ابن حبان
والآن ابدأ
- اقرأ عن النار وهول يوم القيامة واقرأ عن الجنة وثوابك
- راجع علاقتك مع القرآن وابدأ بقصار السور فاقرأ معاني كلماتها ثم راجع ما كنت تحفظه من آيات وسور
- اجعل لك دفترا خاصا بقيام الليل وبالآيات التي ستقرأها في قيامك
- اختر الوقت المناسب لقيام الليل من بعد العشاء وحتي الفجر وابدأ بما هو سهل عليك
- شهر رمضان هو أعظم مدرسة لقيام الليل عليك أن تتعلق فاذا جاءك فاغتنم منه واحرص علي قيامه وتهجده واعتكاف العشر الأواخر فيه ولا تخرج من رمضان الا بتقدم واضح في قيام الليل والقرآن
- الدعاء والاستعانة بالله هذا هو الوقود فان كنت تحتاج اليه في كل صغيرة وكبيرة فأولي أن تستعين به
الأسباب الميسرة لقيام الليل
ذكر أبو حامد الغزالي أسبابا ظاهرة وباطنة لقيام الليل
الأسباب الظاهرة فأربعة أمور:
1- ألا يكثر الأكل والشرب فيغلبه النوم ويثقل عليه القيام
2- ألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه
3- ألا يترك القيلولة بالنهار فانها تعين علي القيام
4- ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل
الأسباب الباطنة فأربعة أمور:
1- سلامة القلب عن الحقد علي المسلمين وعن فضول الدنيا
2- خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل
3- أن يعرف فضل قيام الليل
4- لا يتكلم بحرف الا وهو يدعو ربه
يا رجال الليل جدوا رب صوت لا يرد
ما يقوم الليل الا من له عزم وجد
الصفقة الرابحة مع الله
يقول صلي الله عليه وسلم:
"في الجنة غرفة يري ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائما والناس نيام" رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني