رأى محايد فى بحث زواج السيدة عائشة برسول الله

ليس أكثر إثارة وغيظا من أن تشاهد جاهلا ، مصيبته أنه يظن نفسه عالما .. يشطب في الايات والأحاديث ، ويطالب بأن ينقى صحيح البخاري وغيره من كتب التراث ، ويهبش حديثا أو اثنين ليصيح في ثورة الغيور : هذا ما لايمكن أن يقوله الرسول ، ونحن في حاجة إلى إعادة النظر في هذه الكتب .

وهو في هذا ليس دارسا للبخاري ولا لعلوم السنة إلا أنه وقع في يده كتاب أو مقال كان ينتقد البخاري مثلا ، فأخذ منه المعلومات بنظرية : اخطف واجري ، وبدأ يعيد إنتاجها وكأنها من اكتشافاته التي غفلت عنها الأمة أكثر من ألف سنة حتى ظهر نابغتها الفريد المتفرد .

المثير للضحك أن جهله يبدو أوضح من الشمس ، ويكتشفه أقل مهتم بالعلم الشرعي - مثلي - فضلا عن أن يكتشفه الباحث أو الدارس أو العالم .. ولا أكثر إغاظة من جهله إلا جرأته على العلم والعلماء .. فتكون كتاباته مستفزة إلأى حد لا يمكن معه التحكم بالأعصاب .

فإذا حاولت أن تكتب - باعتبار الكتابة تعبيرا عن المشاعر أو الموقف - سيخرج ما تكتب قاسيا مليئا بالتجريح ، وهنا ستخسر حتما القارئ المحايد الذي لا سابق علم له بالموضوع ، والذي سيفسر حينها هذه الحدة بسوء الأدب المعبر عن موقف ضعيف أو حتى موقف متطرف .

فإذا أمسكت أعصابك وكتبت ردا هادئا .. خسرت أيضا قارئا محايدا سيعتبر أن الأمر قضية لا تستحق ( فهو لم ير حرقة ولا حماسة وإنما مجرد عبارات هادئة مؤدبة ) ، وخسرت أعصابك التي احترقت مرتين : الأولى حين قرأت الجهل المتعالم ، والثانية : حين أمسكت بها وكتبت بهدوء لم يطفئ النار التي اشتعلت في صدرك .. تلك الحيرة التي كثيرا ما أقع فيها .

اعذرني أيها القارئ الكريم على ما سبق من استطراد .. والموضوع الذي بين أيدينا الآن ، هو ما كتبه ( أحمد بحيري ) في المصري اليوم 2/5/2007 تحت عنوان : مفاجأة: طلبة أصول الدين بالأزهر يدرسون كتاباً يسيء للرسول والسيدة عائشة .

والموضوع منوه عنه في الصفحة الأولى ، فهرعت اقرأ المفاجأة في الصفحة الرابعة ، فوجدت عجبا عجابا عجيبا ما أعجبه .. ليس أكثر من كلام تافه ينم عن جهل مروع بما يتناوله ، كما ينم عن جرأة غريبة في إصدار أحكام .. المهم أني احتفظت لنفسي بالاحتراق ، وكتبت له رسالة مؤدبة جدا هذا نصها :

—————————————

كتب الأستاذ أحمد بحيري في عدد الأربعاء 2/5/2007 مقالا بالصفحة الرابعة أحسب أنه يستحق الوقوف معه طويلا :

والمقال بعنوان : مفاجأة: طلبة أصول الدين بالأزهر يدرسون كتاباً يسيء للرسول والسيدة عائشة !!

ولأن العنوان بحد ذاته صادم إلى الحد الذي – إن صدق – يجعلنا نظن أن الأزهر قد انتهى إلى غير رجعة ، كان لابد من قراءة المقال بعناية ، فراعني للأسف الشديد أن الأستاذ أحمد بحيري كتب كلاما لا معنى له ولا قيمة ، وتصدى لأمر اتضح أنه لا يملك فيه أدنى باع ، وتطاول هو – لا الأزهر – على الرسول (ص) وعمر وعائشة (رضي الله عنهما) ..

ومن أعجب ما كتب أنه قرر أن الكتاب يقول : ” أن الرسول أشد غلظة وفظاظة من سيدنا عمر بن الخطاب مستنداً لما رواه سعد بن أبي وقاص عندما دخل ابن الخطاب علي الرسول ومعه نسوة من قريش فقالت بعض النساء لسيدنا عمر «أنت أفظ وأغلظ من رسول الله».

وقد ظللت أقرأ هذه الفقرة وأنا مندهش مذهول ، لا أصدق ما أرى .. فالاستدلال ليس فقط فاسدا ، بل هو استدلال معكوس ، والجاريتان كانتا تقولان أن عمر هو أفظ من الرسول ، فكيف يستنتج الأستاذ بحيرى منه أن الرسول هو الذي أفظ واغلظ من عمر ؟؟!!!

هذه ملحوظة كان يتوجب على الصحيفة أن تراجعها صحفيا أولا ، فهي تنافي أبسط قواعد الفهم الطبيعية ..

لكن من الناحية العلمية : فالحديث صحيح متفق عليه أي رواه البخاري ومسلم ، وهو يتحدث عن نساء كن يتكلمن إلى النبي ، ومن رقته (ص) علت أصواتهن ، فلما استأذن عمر في الدخول سكتن واختبأن .. فضحك الرسول وأخبره ، فاستنكر عمر أن يكون النبي (ص) أقل مهابة عندهن منه ( من عمر ) .. فقالت له النساء لأنك : ( أفظ وأغلظ من رسول الله ) .

فالحديث لايسيئ من قريب ولا بعيد إلى إساءة للرسول ، كما فهم الأستاذ بحيري .. ولا أدري كيف فهم ؟

ومشكلة الأستاذ بحيري أنه حكم في كلمات بأحكام قاطعة مانعة ، في أمور قضي فيها أعلام الأمة أعمارهم ، وكتبت فيها أبحاث ودراسات مستفيضة .. مثل أن النبي (ص) سُحر ، ومثل قضية إرضاع الكبير .. وهي من القضايا التي يطول فيها الحديث جدا ، وكتبت فيها أبحاث مستفيضة مستقصية ، لكنها لم تأخذ من الأستاذ بحيري إلا سطرا يوحي بأن الكتاب فيه إساءات للرسول والصحابة ..

ومن العجائب كذلك أنه استشار واحدا من الجامعة العالمية بإسلام آباد .. صرح له بأن كل هذه الأحاديث غير صحيحة ، وأنا على يقين قاطع بان الأستاذ بحيري استشار غيره من العلماء ثم كانت إجاباتهم متوافقة مع مافي الكتاب مما كان يهدد بانهيار فكرته تماما ، لكن ولنفرض أن هذا لم يحدث .. فما تفسير أن يلجأ إلى عالم بالجامعة العالمية بإسلام آباد وأمامه هنا في القاهرة كل علماء الأزهر ؟؟!!

وهذا العالم الذي استشاره هو قطعا من الشيعة ، أو قطعا من الجاهلين ، فإن أحاديث سحر النبي وإرضاع الكبير ، وهيبة النسوة لعمر .. كلها صحيحة ولا أثر فيها للضعف . ( لو كان استنكر حديثا أو اثنين لقلنا إن له تأويلا ، أو لديه رأي في حديث معين .. أما إنكار الجميع بالصيغة العامة فلا يحتمل إلا التشيع أو الجهل ) .

فحديث هيبة النساء لعمر رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
و حديث سحر النبي كذلك رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
وحديث إرضاع الكبير حديث متواتر ( والمتواتر أصح وأقوى درجات الحديث ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما .

وأما واقعة أن النبي ينطق بألفاظ تخدش الحياء ، فهو قمة الجهل مع قمة الجرأة على العلم دون محاولة تعلم ولا استفسار .

فلقد كان النبي أشد حياءا من العذراء في خدرها ، واستحيا ذات مرة أن يرد على سؤال أنصارية تستفسر منه عن كيفية التطهر من الحيض فقال : ” سبحان الله ، تطهري بها ” ، ثم شرحت لها أم المؤمنين عائشة ماذا تفعل .. لكن في حالة أن يأتي إليه واحد يعترف له بتهمة الزنا ، مما يترتب عليه إقامة الحد ، فهنا لابد للقاضي أن يتأكد بما لا يدع أي مجال للشك من أن فعل الزنا فعل مكتمل يستوجب إقامة الحد .

فليس في الموضوع افتعال الأدب ، أو اعتبار أن النبي قد نطق حقا بما يخدش الحياء ، أم أن الهدف في النهاية هو صحيح البخاري ، أو السنة كلها .. التي يبدو أنه كلما خبت حملة عليها قامت أخرى بفعل فاعل ؟؟

رجاؤنا ألا يتسرع أحد بالكلام والحكم فيما لا علم له به .

[b]