بطولات بدو سيناء

بطولات بدو سيناء


قد لا يعرف الكثير منا.. إلي أي مدي بلغت وطنية بدو سيناء.. ومناذا قدموا إلي بلدهم مصر من تضحيات وبطولات.. وإلي أي مدي جسدت هذه التضحيات الانتماء الحقيقي لتراب الوطن..
قدم أبناء سيناء أغلي وأعز ما يملكون. أرواحهم ودماءهم لوطنهم.. بعيداً عن الشعارات الرنانة والفرقعة الاعلامية والمزايدات الرخيصة.
الانتماء الحقيقي لبدو سيناء.. ظهر بوضوح في حرب الاستنزاف.. وفي نصر أكتوبر 73 .. وقبلهما في نكسة 5 يونيو .1967

من ضمن ما رواه اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية في حربي الاستنزاف وأكتوبر.. أن هناك بطولات وتضحيات عظيمة لبدو سيناء.. سجلها التاريخ لهم بأحرف بارزة من النور..
قال اللواء نصار: إن المخابرات الحربية.. سلمت 32 جهازا للإرسال لعدد 64 فردا من بدو سيناء.. بعد تدريبهم علي استخدامها.. وقامت بتوزيعهم علي مناطق متفرقة من سيناء.. وطلبت منهم.. أن يكون الاتصال يوميا لمدة 10 دقائق فقط لكل جهاز.. يرسل خلالها كافة تحركات العدو الإسرائيلي في سيناء.. وجاء تحديد ال 10 دقائق حتي لا تكتشف إسرائيل ترددات هذه الأجهزة.. خلال فترة إرسالها للمعلومات لمصر.. واستمر أبناء سيناء كعيون متقدمة داخل سيناء.. تكشف لمصر.. التحركات العسكرية لقوات العدو الإسرائيلي.. أولاً بأول.. وذلك طوال حرب الاستنزاف أي لحوالي 5 سنوات كاملة.. ولم تستطع إسرائيل اكتشاف هذه المراقبة.. المسلطة عليهم.. للجيش المصري.. عبر عيون أبناء سيناء.

نجح أبناء سيناء في مهمتهم.. ووضعوا القيادة المصرية.. في الصورة أمام تحركات قوات إسرائيل في سيناء.. أولا بأول.. واستمروا في عملهم حتي جاءت حرب أكتوبر.. هنا طلبت المخابرات المصرية من بدو سيناء.. فتح أجهزتهم 24 ساعة.. وارسال تحركات القوات الإسرائيلية لحظة تحركها لمصر.. في أي وقت..
وفي حرب أكتوبر.. أبلغ بدو سيناء عن تحرك طابور طويل من الدبابات وسط سيناء.. قادم من ميناء العريش.. في أقل من 5 دقائق.. قامت الطائرات المصرية بدك هذا العدد الهائل من دبابات العدو.. وقضت عليها تماما..
أذهلت المفاجأة القيادة الإسرائيلية.. ولخبطت حساباتهم.. وكان السؤال الحائر: كيف عرف الجيش المصري بتحرك هذا القول لحظة خروجه من ميناء العريش.. كيف؟!

بدأت إسرائيل البحث عن ترددات أجهزة إرسال تعمل في سيناء.. وبالفعل اكتشفت إسرائيل هذه الأجهزة حيث رصدت ترددات بثها.. وحددت أماكنها.. وألقت القبض علي ال 64 شخصا من بدو سيناء.. ونقلتهم إلي تل أبيب.. حيث وضعوا في سجونها.. تحت أصعب وأقسي وأبشع فنون التعذيب والإذلال والقهر.. وعاملتهم معاملة جواسيس.. نقلوا معلومات عسكرية عن الجيش الإسرائيلي لمصر.. في زمن الحرب.. مما كان له أسوأ الأثر علي القوات الإسرائيلية..
وأصدرت المحاكم الإسرائيلية أحكاما لأكثر من 150 سنة علي أبناء سيناء.. كبديل لعقوبة الإعدام التي لا تطبق في إسرائيل.

في احدي زيارات هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا عقب حرب أكتوبر لمصر.. طلب من الرئيس الراحل أنور السادات الإفراج عن أحد الجواسيس الإسرائيليين الموجود في السجون المصرية.. وألح كيسنجر في طلبه بناء علي استماتة إسرائيل.. أمام رفض الرئيس السادات في
كل مرة. .. فاتح السادات.. اللواء فؤاد نصار.. في طلب كيسنجر المتكرر.. وهنا عرض مدير المخابرات الحربية.. تبادل الجاسوس الإسرائيلي بأكثر من 200 أسير مصري في سجون إسرائيل.. واتفق السادات مع نصار علي إعداد قائمة بأسماء هؤلاء الأسري.. وجاء علي قائمة الأسماء ال 64 بطلا من بدو سيناء.
طلب الرئيس السادات أن تتضمن الدفعة الأولي من المفرج عنهم ال 64 من بدو سيناء.. علي أن يعقبهم باقي الأسماء.. وجاء تمسك السادات بالإفراج عن بدو سيناء إيمانا واعترافا بقيمة وعظمة الدور الوطني المخلص الذي قدموه لوطنهم مصر.

استقبلت مصر أولادها ال 64 من بدو سيناء.. استقبال المنتصرين.. وأقاموا لهم الزينات ورفعوا الاعلام.. في أروع وأعظم استقبال.. يليق ببطولاتهم وتضحياتهم.. وأقيم الاحتفال بالمخابرات الحربية.
من بين هؤلاء الأبطال من بدو سيناء 2 من أقارب سهير جلبانة.. نائبة سيناء لعدة دورات في مجلس الشعب .. وبعده مجلس الشوري.. وبالتحديد أولاد عمها.. وسهير جلبانة معروفة بعاشقة سيناء.. وصاحبة الصوت الوطني والشجاع داخل البرلمان.. والتي حملت هموم وآلام وطموحات بدو سيناء تحت القبة لسنوات طويلة.
تولي تدريب أبناء سيناء .. والمسئولية الكاملة لعملهم في مجموعات عنقودية.. البطل محمد اليماني.. شقيق محمود اليماني وسالم اليماني وسالمان اليماني.. والجميع يعلم مدي إخلاص ووطنية عائلة اليماني.. وحبهم وتضحياتهم لوطنهم مصر.. هم وجميع أبناء قبيلة البياضية التي ينتمون إليها..
هذه الوقائع.. حكاها اللواء فؤاد نصار.. أمام جمع من أبناء سيناء في احدي زياراتهم له مؤخرًا.. وكان من بينهم أحد قيادات بدو سيناء.. مجدي جلبانة.. والذي يشغل حاليا منصب رئيس حي أول مدينة الإسماعيلية.. وهو بالمناسبة شقيق سهير جلبانة..

إن أبناء سيناء.. وعائلاتها وقبائلها.. قدموا الكثير لمصر.. وهناك عائلات كثيرة علي غرار عائلة جلبانة واليماني.. قدمت ابناءها بكل رضا وقناعة فداء للوطن.. للأم مصر..
لقد تحمل أبناء سيناء أعباء القيام بأعمال بطولية جنبا إلي جنب مع أبطال القوات الخاصة والصاعقة والمظلات والمخابرات بالجيش المصري في نسف المدرعات ومهاجمة الدوريات وخطف جنود الأعداء من داخل سيناء.. طوال حرب الاستنزاف وكشف تحركاتهم.. أولا بأول..

ونتذكر دور بدو سيناء في احتواء الجنود المصريين المنسحبين في أعقاب هزيمة 5 يونيو 67 .. ومساعدتهم في العودة إلي القاهرة.. وتقديم الماء والطعام والملابس المدنية.. حتي يعبروا قناة السويس..
رفض أبناء سيناء كل الاغراءات الإسرائيلية.. وأكدوا انتماءهم لوطنهم مصر.. وقفوا بقوة.. وصمدوا بكل ما يملكون ضد الاحتلال الإسرائيلي لسيناء.

لقد حان الوقت.. ليحصلوا علي ثمرة تحرير الأرض.. ولنقول لهم شكرًا.. وذلك بتنمية سيناء.. وتوفير مقومات الحياة الكريمة لهم.. وبناء مجتمعات حديثة.. وتوفير التعليم ومنابع الثقافة وكافة الخدمات الأساسية.. وقبل كل ذلك المعاملة الكريمة التي تليق بأبطال قدموا أرواحهم ودماءهم فداء لتحرير وطنهم مصر.. فإنهم يستحقون ذلك وأكثر.




قصص من الحب المفعم بالوطنية تسمعها وأنت تتجول بين دواوين البدو في أمسيات تاريخية جميعها عن البطولة التي قام بها أهل البدو ضد الاحتلال الإسرائيلي وكانوا وهم يقدمون اسماءهم يلحقون بها عدد العمليات الفدائية التي قاموا بها‏,‏ فيقولون الحاج عبدالله‏45‏ عملية والشيخ حسن‏34‏ عملية‏,‏ وفي بيوتهم صور مع قادة القوات المسلحة وأوسمة البطولة من الرئيس السادات والرئيس مبارك وعلاقاتهم بالقوات المسلحة تتصف دوما بالحميميه يقولون ارتبطنا مع الجيش في ظروف شديدة الصعوبة واستمر الود عندما حفظت لنا القوات المسلحة ما قدمناه من أجل تراب الوطن فاعتبر جميع أهل سيناء قدامي محاربين يعالجون بالمجان ويحصلون علي ترقية القوات المسلحة في مناسبات النصر في‏6‏ أكتوبر و‏25‏ أبريل ويروون قصص الوفاء من رجال المخابرات وهم يحملون الخبز والمؤن للأهالي‏,‏ وفي كل ديوان في سيناء تتكرر حكاية موشي ديان في مؤتمر الحسنة التي جمع فيها جميع شيوخ القبائل في مؤتمر صحفي عالمي دعا إليه كل وكالات الأنباء العالمية ويقرر أن أهالي سيناء من البدو يريدون الاستقلال السياسي عن مصر وتعهد بمساندتهم لقيام دولتهم في سيناء‏,‏ ولكنه فوجيء بجميع شيوخ القبائل يقررون ودون اتفاق مسبق أمام الإعلام العالمي بأنهم مصريون ورئيسهم جمال عبدالناصر‏,‏ فاستقل الطائرة المروحية وترك المؤتمر‏,‏ وقصة مؤتمر الحسنة يرويها كل الشيوخ في سيناء بفخر واعزاز بأنهم مصريون يعتزون بمصريتهم‏.‏ الحاج عبدالله جهامه رئيس مجلس قبائل وسط سيناء وعضو مجلس الشعب السابق يقول‏:‏ يكفينا شرفا أنه لم يتم القبض علي جاسوس واحد من أبناء سيناء أيام المواجهة ورفضنا عرض ديان لتدويل سيناء والمتحف الحربي في القلعة مازال يحفظ بين جنباته بطولات أبناء البادية في سيناء وأن وصول مياه النيل إلي سيناء هو أهم مشروع في تاريخنا بأكمله لأنه يثبت أننا أبناء هذه الأرض المصرية وأننا مصريون حتي النخاع‏,‏ وشبكة الطرق والمدارس والجامعة والمستشفيات جميعها حقوق لأبناء هذه الأرض قدمتها لنا الحكومات المتعاقبة وإذا كان الوادي يضيق بأهله من الزحام فإننا نريد علي الأقل‏3‏ ملايين مصري يمتزجون بجسد أبناء سيناء لأن تعدادنا ضعيف والأرض حولنا شاسعة وتتشوق لعقول وسواعد ابنائها المصريين‏,‏ الشيخ حسن علي خلف مجاهد سيناوي يقدم نفسه بهذه الصفة ويقول قمت بـ‏28‏ عملية ضد العدو الإسرائيلي واعتقلت في سجون إسرائيل وصدرت ضدي أحكام جملتها‏149‏ سنة وعدت إلي مصر بالتبادل مع الجاسوس الإسرائيلي باروخ كوهين الذي ضبط بالقاهرة وأن دماء المصريين الذكية التي روت هذه الرمال هي التي سالت لتزرع السلام لتسيروا علي هذه الأرض بسلام ولولا هذه الدماء ما كنتم اليوم هنا‏,‏ واستطرد الشيخ حسن‏:‏ قال كنت يوم الجمعة‏22‏ مايو‏1970‏ بمركز القيادة في بورسعيد وقررنا ضرب مركز التحكم والسيطرة الإسرائيلي في مبني محافظة سيناء القديم بالعريش وشرفت بقيادة هذه العملية وسرنا علي الأقدام من بورسعيد إلي العريش عبر الطرق الآمنة التي أجيدها ونحمل علي ظهورنا‏24‏ قذيفة صاروخية‏,‏ قطعنا الطريق في‏16‏ يوما كان عمري وقتها‏23‏ سنة وأحطت أنا وإخواني بالمبني وبدأت الصواريخ تنهال علي المبني المكدس بقيادات إسرائيلية من كل جانب‏14‏ قذيفة لم تطش منها واحدة أجهزت علي كل من في المبني وأجهزتهم وأوراقهم‏,‏ قال موشي ديان إنهم يظهرون ويختفون كالأشباح‏.‏ ألقي القبض علي بعدها ووجهت لي المحكمة الإسرائيلية ثلاث تهم الأولي عبور القناة بدون إذن مسبق من الجيش الإسرائيلي والتدريب علي السلاح في دولة معادية هي مصر وحيازة صواريخ واستخدامها في قتل النساء والأطفال الأبرياء الذين لا يعرفون في هذه الدنيا غير الابتسام‏,‏ وسألني قائد المحكمة ما ردك علي هذه التهم فأجبته وهل استأذن

نقلا عن جريدة الأهرام